الثلاثاء، 15 فبراير 2011

التقويم: نقطة الضعف في التربية الخاصة ... ؛

التقويم: نقطة الضعف في التربية الخاصة

بقلم: د/محمد صالح الإمام
أستاذ التربية الخاصة المشارك
جامعة عمان العربية للدراسات العليا
رئيس الجمعية العربية لصعوبات التعلم

     انتقادات عديدة وجهت لبرامج التربية الخاصة حيث أن تقديم الخدمات العلاجية و التربوية للأشخاص ذوي الإعاقات يرتكز حول التقويم Evaluation الذي يشمل التقييم Valuing والقياس Measurement والمتخصصون في تربية الأفراد ذوي الإعاقات يلاحظون في زياراتهم لمراكز التربية الخاصة ومؤسساتها التباين في عمليات التقويم لهؤلاء الأفراد ، وهذه الملاحظة من منطلق دائرة التكامل التنموية ، وهي  المعيار الذي ينشده المتخصصون، والأمل الذي يرجوه الباحثون عن الارتقاء، وهذه الدائرة تمثل قمة السلم ألقيمي في التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقات حيث يستهدف التشخيص الحد من التفاقم، وتخطيط وتصميم البرامج العلاجية  في إطار العناصر الشمولية : النمو بجميع جوانبه، الاستعدادات والقدرات، الميول، الاتجاهات، الحياة الشخصية لكل حالة وذلك وصولاً إلي مواطن القوة وتحقيق الارتقاء للحالة من خلال النمو المعرفي والمهاري والاطلاع علي أحدث ما في المجال للقائمين علي تنفيذ الرسالة الصعبة في تنمية الأشخاص المعاقين ، وتغير الاتجاهات المجتمعية المحيطية، وهنا نؤكد علي تخطينا نقطة البداية وهي –القياس - إعطاء تقدير كمي ويتناول جانب الوصف ، وأيضاً تخطينا النقطة الثانية وهي  – التقييم - إصدار الأحكام أي مرحلة تقدير القيمة.

     وعلى الرغم من أن العاملين في هذه المراكز والمؤسسات يؤكدون على أن التقويم ينبغي أن يتم بناء على أسس علمية متعارف عليها و تحت إشراف الجهات المعنية، إلا أن فريق أخر من العاملين يرى الاكتفاء بأدوات التقييم الحالية، ويري البعض أن  تقييم اليوم يجرى تبعاً لآليات السوق !!! ولنشر ثقافة الوعي المجتمعي بشؤون الأشخاص ذوي الإعاقات نقول بأن أدوات التقييم ما هي إلا مؤشرات قبليه يتبعها تقييم تكويني وتشخيصي أثناء البرنامج سواء علي المستوي المؤسسي أو المنزلي ، ويتلو ذلك تقييم ختامي وصولاً لتقرير من خلاله يحدد نقاط القوة التي تمكن المتخصص من التخطيط الفعال.


    وفي هذا المقال نسعى ونجتهد ليس فقط لتفسير ما يحدث , ولكن لتجنب السلبيات و الأخطاء الواضحة التي تمارس في بعض  المراكز والمؤسسات المعنية بتنمية الأشخاص ذوي الإعاقات المتباينة و التي كشفت عن المنهج التنموي الذي لا يزال في طور التمني الذي لم تتأثي ثماره بعد، ولدى الكاتب تفاؤل كبير بالنجاح في إمكانية تجاوز السلبيات و منها التقييم كأساس للانطلاق الحقيقي في مسار المنهج التنموي وتفعيله إلا أنه ينبغي أن نسوق مثالاً لأم أُصِبت في الأسبوع الأول من الحمل بالحصبة الألمانية ولم يتم اكتشفها أو تشخيصها من الطبيب المتابع للحمل  ومرت فترة الحمل بسلام وتمت الولادة وتمضي خمسة أشهر دون ملاحظة أعراض غير طبيعية، إلا أن الأم عندما سألت عن الملاحظات التي لديها ، قالت: إن ابنتها لا تلتفت للصوت مهما كان مصدره، ولا تنظر إلا لضوء اللمبة الشديد ، وتنظر لقرص الشمس، وبرغم من متابعتها عند أحد الأطباء فإنه لم يحفل بهذه الملاحظات علي حد قول الأم  وتقول بأن قلبها لم يسترح لهذا التشخيص، وعرضت ابنتها علي طبيب أخر فشخص البنت بأن لديها لغط في القلب، وشك في وجود ثقب يستلزم إجراء بعض الأشعة والتحاليل، إلا أن قلب الأم لم يسترح أيضاً لهذا التشخيص، فقرر زوجها التوجه لطبيب أخر، إلا أنه أكد ما قاله الطبيب السابق، بل أضاف وجود ضيق بالشريان الرئوي ، واستمرت رحلة المعاناة، بالتنقل بين هذا وذاك، حتى وصلت إلي الطامة ألكبري –علي حد قول الأم – واكتشفت أن ابنتها مولودة بعدة عيوب خلقية، منها: إصابة العينين بمياه بيضاء، ووجود ضعف سمعي شديد بالأذنين ، بالإضافة إلي ضيق بالشريان الرئوي ، وفي هذه اللحظة أسودت الدنيا أمام الأسرة وفقدوا الأمل في حياة الطفلة ،وبدوا في تلقي المواساة والصبر علي قضاء الله وقدره ، والمقربون ينصحونهم بإنجاب طفل أخر وتترك الطفلة تقضي عمرها كما يشاء ربها ، ومنهم من ينصح بعدم الإنجاب حتى لا تتكرر التجربة مرة أخري ، ومنهم من كان يتهرب من الإجابة !! توجهت الأسرة إلي رب العرش والسماء وقالت بأن هذا الاختيار اختبار من الله ولابد أن نقبل به ، وبدوا رحلة البحث عن الأمل ،فتقدمت الأم بالاستقالة من عملها وتفرغت للبحث عن العلاج ، وكانت البداية مشكلة العينين فالبعض نصح بإجراء عملية جراحية للعينين قبل وصول الطفلة إلي سن عامين، والبعض قال بأن إجراء العملية تحصيل حاصل وينبغي عدم الاقتراب من عين الطفلة قبل مرور عامين ، فاستخر الوالدان الله سبحانه وتعالي ،وتم إجراء العملية لشفط المياه من العين ونزع عدسة العين المعتمة، وبعد إجراء العملية بعامين تم تركيب عدسة بالعين وأصبحت الطفلة تري النور وتري الناس ولكن لمسافات قريبة جداً، وتزامن كل ذلك مع جلسات العلاج الطبيعي والعلاج المائي حتى تتمكن الطفلة من الحركة أيضاً، وبدأت الأسرة في رحلة ثالثة وهي رحلة التأهيل فتوجهت إلي جهات عديدة ولكنها صدمت لعدم وجود جهة تقبل البنت ،حيث أن كل جهة تتعامل مع إعاقة واحدة فقط ، فرفضت من جهات التأهيل السمعي  لإعاقتها البصرية ، ومن جهات التأهيل البصري لإعاقتها السمعية ، والمكان الوحيد الذي قبلها هو مركز الإعاقة العقلية حيث أقرت جهات كثيرة بأن البنت معاقة عقلياً وهذا التقييم خضع للمظهر دون الاستناد إلي الأسس العلمية التي نحاول أن نرسي قواعدها من خلال المحاضرات الأكاديمية والمجتمعية  ، وتأخر الإدراك الذهني لهذه الطفلة راجع إلي أنها لا تسمع ولا تري ولهذا لا يوجد وسيلة لتعليمها لكي ينمو إدراكها العقلي، فمثل هذه الحالات تحتاج إلي برنامج تأهيلي خاص ،وبفضل الجهود الفردية والإصرار والأمل تحسنت الطفلة وبدأت في اكتساب المهارات الذاتية يوماً بعد يوم ، وأكتب هذه الحالة لكي أشطب كل معاني اليأس من حياتنا حتى نستمر في التقدم إلي الأمام  كخطوة ضرورية نحو إثراء الثقافة العلمية المعاصرة في التربية الخاصة حيث تعيش إجراءات التربية الخاصة في مجتمع كمي غريب تتحدى بطبيعته المخالفة للبداهة كل تفسير مريح عهدتاه وألفنا مفاهيمه في المفاهيم الكلاسيكية لذا لابد من ثورة علمية في التربية الخاصة .


    وعملياً تقويم الأفراد ذوي الإعاقات والتي يتم على أساسها تقديم البرامج و الخدمات المناسبة والمتنوعة والمتباينة بتباين الحالات وتنوعها ، ينبغي أن يتم على أسس علمية تنطلق من الخبرة  المحلية والعالمية وتمر بعدة مراحل تبدأ بتقييم مبدئي داخل أقرب مركز أو مؤسسة متخصصة ثم التوجه إلى لجنة علمية عليا مشكلة من الخبراء والمتخصصين وتقوم بمراجعة التقويم بشكل متواصل لفترة يطمئن فيها على استقرار موضوعية التقويم.


   وتوجد آراء عديدة ترجع عملية التباين في التقويم لأسباب قد تعود إلى العوز الاجتماعي للأسرة و في هذه الحالة تحاول الأسر أن تحصل على التقويم التي ترى أنه يحقق مصالحها بغض النظر عن التقويم الحقيقي للحالة و صولاً إلى وضع البرامج التنموية المناسبة ... فلا يوجد في حسبان بعض الأسر بصيص من الأمل لتحسين حالة ابنهم المعاق ..  وهذا هو الدور المنوط إلي الأخصائيين لمزيد من الوعي و نشر ثقافة التحسين والتنمية والارتقاء للأشخاص المعوقين بعيداً عن ثقافة الأخذ والتكسب و الرجاء و جعل الأبناء مصدراً لسد العوز الاجتماعي.


  وحول كيفية سير عمليات التقويم يقترح الكاتب أن تمر عمليات التقويم بعدة مراحل تبدأ بإلزام أسر ذوي الإعاقات إلى التوجه لمراكز التشخيص والتقويم ويقترح تابعيتها إلى المجلس الأعلى للإعاقة  علي أن يقوم بدور المنسق وهذا لا يعنى إهمال المراكز والمؤسسات القائمة عن تقديم خدماتها للأفراد ذوي الإعاقات وإجراء تقييماتها بإمكانيتها ثم تعرض علي أحد فروع مراكز التشخيص والتقويم المعتمدة كلُ حسب موقعه الجغرافي ، ثم يكتب التقرير النهائي وبعد ذلك يعرض علي اللجان العليا المتخصصة في تصميم البرامج المناسبة لفئات الإعاقة المتباينة علي المستوي الأفقي ولدرجة الإعاقة علي المستوي الرأسي ، وكل ذلك في إطار من الإجراءات والشروط المنظمة لذلك والتي ينبغي صدورها من المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين.

 

ويمكن النظر إلى هذه المشكلة من عدة اتجاهات وهذه الاتجاهات هي:


الكوادر المؤهلة لممارسة عملية التشخيص المقاييس المستخدمة في عملية التشخيص ، الأدوات المستخدمة في عملية الفحص ، البيئة التي يتم فيها الفحص ، ظروف الاختبار والهدف هوا لتعرف على أسباب ضعف عملية التشخيص في ميدان التربية الخاصة الوسائل والأساليب التي يمكن استخدامها لدراسة هذه المشكلة.


التعرف على الأدوات المستخدمة في عمليات التشخيص وذلك من خلال النزول إلى الميدان والوقوف عن كثب على أهم الاختبارات التي يجريها الأخصائيين العاملين في المجال وإجراء المقابلات معهم والتعرف على المشكلات التي يواجهونها وحاجاتهم إلى التدريب والتأهيل ومدى كفاية ما يتلقونه من تأهيل في هذا المجال ومقدار مصداقية الاختبارات وما تعطيه من صورة عن قدرات الطفل الحقيقية ومدى مواءمة بيئة العمل والأدوات المستخدمة للحصول على النتائج المرجوة منها ، كما يتم الاستقصاء عن مدى تعاون الأسر في إعطاء معلومات صادقة وواضحة عن المشكلة التي يعاني منها الطفل.


وجود أية عوامل من وجهة نظره كأخصائي تساهم في الحد من فعالية عملية التشخيص ، ويمكن التعرف على هذه المشكلة من خلال إعداد استبانه موجهة للأخصائيين وأخرى للعاملين في الحقل التربوي.


التعرف على مدى مواءمة شخصية العاملين في المجال على القيام بعملية التقييم والتشخيص وأساليب التعزيز والحث التي يستخدمها للوصول إلى التعرف على الإمكانات الموجودة عند الطفل وما هي درجة إلمامه باستراتيجيات تعديل السلوك التي تساعده للوصول إلى الهدف المنشود من التعرف على القدرات الحقيقية للطفل.


تعاون الأسر في إعطاء المعلومات وإبراز التقارير الطبية المتعلقة بالحالة وإعطاء المعلومات المطلوبة حول الظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي يعيش بها الطفل ومدى إمكانية إجراء دراسات ميدانية تسهم في الحد من التعرف على مثل هذه الجوانب.


التعرف على أفضل الطرق للوصول إلى الهدف وذلك من خلال استقصاء الأسلوب الأفضل الذي تعلم به الطفل إن كان الطفل كان قد دخل إحدى المؤسسات التعليمية والاستئناس بآراء العاملين مع الطفل.


إشراك أخصائيين آخرين في عملية التقييم مثل أخصائي العلاج الوظيفي وأخصائي علاج النطق وأخصائي العلاج الطبيعي وطبيب الأطفال وطبيب الأنف والأذن والحنجرة وأخصائي السمعيات وفاحص النظر ومعلمة التربية الخاصة والأخصائية الاجتماعية.


هل المقاييس المستخدمة ملائمة للبيئة المحلية حتى لو تم تعريبها وتقنينها؟


ما مدى الاستفادة من عملية التقييم والتشخيص في عملية العلاج ؟ وهل هناك ارتباط بين العمليتين ؟ وهل ستسهم عملية التشخيص في إفراز أهداف تربوية وتعليمية محددة من شأنها الارتقاء بمستوى أداء مستوى الطفل وإكسابه مهارات جديدة من خلال تدريبه عليها من قبل القائمين على تنفيذ البرامج التربوية والتعليمية ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق